بنية الإيقاع في شعر العميان علي الحُصْري القيرواني أنموذجًا

الملخص

هو أبو الحسن علي بن عبد الغني الحُصْري القيرواني الضرير، ولد سنة 420هـ/1029م بالقيروان بمدينة حُصْر بها نشأ وإليها يُنسب، ويُقال أنّه منسوب إلى صناعة الحُصُر. توفي بمدينة طنجة بالمغرب سنة 488هـ/1095م. قال عنه الحميدي في جذوة المقتبس: "شاعر أديب، رخيم الشعر، حديد الهجو، دخل الأندلس وانتجع ملوكها، وشعره كثير وأدبه موفور"1.

  عانى الحصري منغّصات الحياة منذ صغره، إذ توالت عليه المصائب فمن فقد بصره، وموت والده، وموت أبنائه الأربعة، إلى معايشته لنكبة موطنه القيروان على يد أعراب هلال وسليم سنة 449هـ/ 1057م فهرب إلى سبتة بالمغرب ثم إلى إشبيلية بالأندلس التي تنقل بين عواصمها (مالقة ودانية وبلنسية والمرية ومرسية..) مادحا ملوكها ومتّصلاً بالشعراء والعلماء والقضاة فاشتهر أمره وذاعت شهرته، وتهاداه الملوك والأمراء والوزراء، قال عنه ابن بسّام صاحب الذخيرة: "كان بحر براعة، ورأس صناعة، وزعيم جماعة، طرأ على جزيرة الأندلس منتصف المائة الخامسة من الهجرة بعد خراب وطنه القيروان، والأدب يومئذ بأفقنا نافق السوق، معمور الطريق، فتهادته ملوك طوائفها تهادي الرياض للنسيم، وتنافسوا فيه تنافس الديار في الأنس المقيم على أنّه كان فيما بلغني ضيّق العطن، مشهور اللسن، يتلفّت إلى الهجاء تلفّت الضمآن إلى الماء..."²

  من أشهر مؤلفات الحصري ديوان "اقتراح القريح واجتراح الجريح" الذي خصصه – كاملا – لرثاء ابنه عبد الغني، والذي سنسلّط عليه الضّوء في هذا البحث نظرا لما يتميّز به من ظواهر صوتية وإيقاعية طريفة، وهو ينقسم إلى قسمين: قِسم الأصل ويشتمل على (2156) بيتا من بحور مختلفة، وفيه قصائد مبوّبة على جميع حروف الهجاء، منها الطويل والمتوسط والمقطوعة، وقِسم الذيل ويشتمل على (435) بيتا كلها من وزن واحد (مخلّع البسيط) مقسّمة على 29 حرفا هجائيا كل حرف يخصّه قصيدة من 15 بيتا، ألزم فيها الحصري نفسه ما لم يلزم، إذ تبدأ أبيات القصيدة الأولى بالهمزة وتنتهي بالهمزة وكذلك بقية الحروف، سِوى أنّ البيت الأول من كل قصيدة يبدأ بالحرف السابق عليه، فقافية الباء مثلا: يبدأ أول بيت منها بالهمزة وينتهي بالباء وبقية أبياتها تبدأ وتنتهي بالباء، وهكذا بقية الحروف.